تحريم الذهب علي الرجل افتراء وكذب .!!
تحت عنوان (هجرة الذهب), أو (الحكمة من تحريم الذهب علي الرجال) و غيرها من العناوين الكثير, انتشر هذا الإعجاز المزعوم علي أغلب مواقع و منتديات شبكة الإنترنت بشكل يفوق الوصف, مُدعياً الآتي (كلما سألني أحد عن حكمة تحريم الذهب أفتي وأقول إن الحكمة هنا تعبدية بمعنى أنه حرام لأن الله حرمه وعلينا الامتثال. وقد سمعت كلاما من سنتين عن أضرار الذهب ولم أكن قرأته أما الأسبوع الماضي كنت أتصفح موقع طبي وعنوانه (gold particle migration), وقد ذكر أن كل المصابين بمرض الزهايمر عندهم نسبة عالية منه وهو ما يعرف بهجرة الذهب. قلت الحمد لله الذي حرم علينا لبس الذهب. وهجرة الذهب معروفة بالنسبة للفيزيائيين. حيث أن الذهب إذا لامس معدن آخر تتسلل أو تهاجر قليل من الذرات منه إلى العنصر الملامس له وطبعا هذا يحدث خلال فترة كبيرة . ولم يعرف أن ذرات الذهب تتسلل من خلال جلد الإنسان إلى الدم إلا حديثا. نرجع للموقع الذي أعلن أن 13 دراسة قامت في هذا الموضوع وأن أعلنوا عن تطوير تحليل للبول يتعرف على نسبة فيه وبالتالي على وجود المرض أو عدمه. يجدر هنا الإشارة إلى أن النساء لا تعاني من هذا الموضوع لأن أي ذرات مضرة تخرج من جسم المرأة كل شهر. و يبدو أن ما سبق لم يكن كافي للإقناع فبدأ آخرون في تكبير حجم الفبركة فزاد أحدهم أنه بحث علي موقع طبي فوجد الآتي يعرض نتائج تجربة أجراها وأن عند الأشخاص الأصحاء صفر بالمائة, و زعم أنه يمكن أن تجد عدة نتائج أخري عن طريق البحث فحت عنوان "Health" "Migration" , و إليكم نص التجربة التي يزعم هذا المدلس أنها دليل علي زعمه:
(Urine test developed for Alzheimer's marker: Alzheimer's disease effects an estimated twenty million people worldwide. As reported in our What's Hot section for June 22, confirmation of an Alzheimer's disease diagnosis has had to wait until autopsy when the brain can be examined. Even postmortem diagnosis has been shown to be only 82 to 92% reliable. The journal Neurology recently reported a study which confirmed the elevation of a protein-neuronal thread protein (, in the fluid of Alzheimer's disease patients, which was positively associated with the severity of symptoms. Thirteen other studies have ********ed the significance of this protein in the disease. Based on the observation that Alzheimer's patients who have high levels of the protein have increased gold particle migration, Corporation has developed a urine test which will soon be available, that measures gold migration when the patient's urine is treated with a gold-containing compound.)
الرد العلمي على هذا الإعجاز المزعوم
لا جدال في أن الذهب حرام علي ذكور المسلمين حلال لإناثهم و ذلك ثابت معلوم من نصوص السنة, فقد روى أصحاب السنن إلا الترمذي أن ابن زرير الغافقي سمع عليا رضي الله عنه يقول : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا فجعله في يمينه وأخذ ذهبا فجعله في شماله ثم قال: إن هذين حرام على ذكور أمتي". ورواه الإمام أحمد أيضا في المسند. وروى الترمذي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم".
و ينبغي علي المسلم أن يعلم أن الحكمة من أى عبادة تحقيق العبودية المطلقة لله بطاعة الأمر الواجب النفاذ بحق الخلق الذي لا ينبغي إلا لله (ألا له الخلق و الأمر), حتي لو علمنا بعض الحكم الدنيوية من وراء العبادة إلا أن الأجر الآجل في الآخرة يظل أفضل بكثير من منافع الدنيا العاجلة (كلا بل تحبون العاجلة و تذرون الآخرة). و لا شك في أن تحريم الذهب علي ذكور المسلمين دون النساء له من الحكم و الفوائد ما لا يعلمه إلا الله علمنا ذلك أو لم نعلمه, إلا أنه لا يَصِحّ ما قيل مِن الإعجاز العلمي الطبي المذكور أعلاه, للأسباب التالية :
أولا: كعادة كل الفبركات البحث تنقصه المراجع مما يشكك في مصداقية البحث بمنتهى السهولة, فلو كان البحث يستند إلى علم قوى لفاخر صاحبه بمصدر معلوماته, و خصوصا أن البحث يدعي النقل عن موقع علمي به 13 بحث طبي, فأين هذه الأبحاث المزعومة. و كالمعتاد في كل الفبركات لا نعرف من أجري البحث و لا كيف أجراه, و يكفي المدلس أن يقول هناك أبحاث أجنبية فيقول بعض المسلمين آمين طالما عطلوا العقل عن العمل, و بالطبع لا يعلم هؤلاء المفبركون أن أول أسس الإعجاز العلمي هو توثيق الخبر العلمي, و التأكد من ثبوته, فالأمة الإسلامية هي أمة علم الرجال و توثيق المنقول.
ثانيا: وردت القصة في العديد من منتديات الانترنت بأسلوب ركيك و بأشكال مختلفة و مسميات مختلفة و لكن لا نجد أبدا و لو نقل واحد عن أي موقع من مواقع الإعجاز العلمي المعتبرة و المعروفة لدي المسلمين, بل و لا نجد أحدا من العاملين في مجال الإعجاز العلمي يتبني هذه القصة المفبركة.
ثالثا: لو كانت الحكمة طبية كما يزعم هؤلاء المفبركون لحرم الشارع الحكيم لبس الذهب أيضا علي كل النساء التي لا تحيض بسبب الحمل أو لوصولهن إلي سن اليأس أو لأي سبب طبي يجعلهن يفقدن المحيض قيل سن اليأس, و هذا السبب وحده كافي لإسقاط هذا الإعجاز المزعوم, لأن المرأة التي لا تحيض لن تستطيع التخلص من الذهب عن طريق العادة الشهرية و بالتالي سوف تعاني من الزهايمر كما يعاني الرجال. كما نسى هذا المفبرك أن هناك عدد كبير جدا من الرجال الذين لا يدينون بالإسلام و ربما للأسف في بعض الأحيان مسلمون يلبسون الذهب و مع ذلك لا يعانون من الزهايمر, و ما النصارى عنا ببعيد, فالذهب ليس محرم عندهم علي الرجال و مع ذلك لا يصاب كثير منهم بهذا الداء حتى و إن طعنوا في السن, فهل الذهب يفرق بين الناس علي أساس الملل.
رابعا: إذا كانت علة التحريم عدم قدرة الرجل علي التخلص من الذهب بالحيض, فالحجامة كانت معلومة في زمن النبي صلي الله عليه و سلم, فلماذا لم يأمر النبي صلي الله عليه و سلم الرجال بلبس الذهب مع الإحتجام للتخلص من الذهب الزائد.
خامسا: إذا عرفنا أن عملية التخلص من الذهب في جسم الإنسان بالدرجة الأولي تتم من خلال البول و البراز, أي أن الرجل كالمرأة يستطيع التخلص من الذهب عن طريق البول و البراز, و بالتالي تسقط علة عدم تحريم الذهب للنساء بسبب دم الحيض, فالرجل أيضا يستطيع التخلص من الذهب عن طريق البول
سادسا: إذا كان الذهب محرم علي الرجال لعلة طبية, فهل الشرع حرم عليهم الحرير أيضا لعلة طبية, و هل الحرير سوف يمتص عبر الجلد فتتخلص منه النساء في دم الحيض و لا يستطيع الرجال ذلك, أم أن المدلس استحيي من كثرة التدليس, أو أصابه الورع فسكت عما لا يعرف, اللهم ارحمنا من تدليس المدلسين, و اهدي عقول المسلمين إلي البعد عن تصديق مثل هذه الفبركات.
سابعا: لو كانت هذه الحكمة المزعومة صحيحة, و أن النساء يتخلصن من الذهب الزائد في الجسم عن طريق دم الحيض, لحرم النبي صلي الله عليه و سلم الأكل في أواني الذهب علي الرجال فقط و لم يحرمه علي النساء كما في حديث تحريم لبس الذهب للرجال, طالما أن النساء لا يقع عليهن الضرر و لا يزيد الذهب في أجسادهن, فقد قال صلي الله عليه و سلم فى الصحيحين (لا تشربوا في إناء الذهب والفضة ، ولا تلبسوا الديباج والحرير ..), و التحريم في الحديث عام للرجال و النساء, بل و أضاف النبي في الحديث الفضة, و بالتالي فلها ضرر علي الإنسان مثل الذهب فلماذا لم يحرم النبي صلي الله عليه و سلم لبس الفضة علي الرجال أيضا. و عليه فهذه الاعتراضات تُضعف القول بأن تحريم الذهب على الرجال من أجل الضرر الطبي المزعوم في هذه الفبركة، وتبقى الحكمة المنصوص عليها أظهر وأوضح ، وهي أن استعمال الذهب والفضة والحرير من أجل أنها للكُفّار في الدنيا وللمؤمنين في الآخرة .
ثامنا: بالبحث عن الموقع الطبي المزعوم الذي يدعي المفبرك نجده مجرد دومين (Domain) للبيع (اسم موقع للبيع) و لا توجد عليه أي معلومات طبية تخص الزهايمر أو الذهب, و هذا دليل كبير علي التدليس, و ما حدث ذلك إلا لعلم هذا المدلس بغياب الكثير من عقول المسلمين التي لا تريد أن تبحث عن الحقائق و تكتفي بتسليم عقولها لمن يتلاعب بها تحت مسمي الإعجاز العلمي, و الإعجاز العلمي من ذلك كله براء.
تاسعا: إمعانا في التدليس طلب مفبرك هذا الإعجاز المزعوم البحث عن نتائج مشابهة للتي عرضها من خلال محرك البحث جوجل تحت عنوان Health" "Migration", و قد فعلت كما طلب هذا المدلس فما وجدت إلا مواقع تتكلم عن الهجرة من أجل البحث عن الذهب أو هجرة الذهب من بلد إلي آخر, و هذا إستخفاف آخر بعقول المسلمين لأن هذا المدلس ما فعل ذلك إلا لأنه يعلم أن أغلب المسلمين (إلا من رحم الله) لن يبحثوا عن شيء و لسان حال أكثرهم يقول (غيري يدور أتعب نفسي ليه), مما شجع المدلسين علي التلاعب بمشاعر و أحاسيس هذه الفئة المتكاسلة من المسلمين.
عاشرا: من الناحية العلمية لا يمكن للذهب أن يمتص من خلال الجلد ليصل إلي الدم ثم إلي المخ ليسبب الزهايمر, لأن الذهب كعنصر ثقيل يمتاز بقلة نشاطه الكيميائي فهو لا يتأثر بالهواء ولا بالأحماض والقواعد والمحاليل الملحية ماعدا الماء الملكي (مزيج من حمض الكلور وحمض النيتروجين) الذي يذيب الذهب, و هذه الخاصية هي التي تعطي للذهب قيمته المادية العالية لكونه غير قابل للتغير بسهولة, و بالتالي فاحتمالية امتصاصه عبر الجلد صعبة جدا, و حتى يتحول إلي صورة ملحية قابلة للإمتصاص عبر الجلد فإنه يحتاج إلي شروط صعب يندر توفرها علي سطح الجلد, و غالبا الذي يدفع الذهب إلي التفاعل و تكوين مواد قابلة للإمتصاص وجود نسب عالية من الشوائب في سبائك الذهب من العيار الخفيف كالذهب الصيني الذي بدأ في الإنتشار حديثا (لمزيد من المعلومات عن الطبيعة الكيميائية للذهب و معلوم أن أغلب بلدان العالم الإسلامي تفضل إستخدام الذهب عيار 18, 21, 24, لقلة الشوائب به مما يساعد علي ثباته في أغلب البيئات المختلفة و الأوساط الكيميائية المختلفة.
و حتي لو فرضنا جدلا أن الذهب يمتص عبر الجلد فيما أسماه المفبرك (هجرة الذهب), فإن الذهب بعد إمتصاصه لا يستطيع عبور الحاجز الفاصل بين الدم و السائل المحيط بالمخ (Blood Brain Barrier), و لذا فقد تم تطوير وسائل نانوية , لتستطيع حمل الذهب إلي المخ لأجل بعض الأهداف العلاجية, و لمزيد من المعلومات عن عبور الذهب للمخ و جزيئات النانو و
و لأن الذهب لا يستطيع عبور المخ بسهولة, فإنه في حالة حدوث تسمم بالذهب فلا نجد من بين الأعراض حدوث الزهايمر أو غيرها من أعراض إصابة المخ,
حادي عشر: يقول المفبرك في تعريف هجرة الذهب (حيث أن الذهب إذا لامس معدن آخر تتسلل أو تهاجر قليل من الذرات منه إلى العنصر الملامس له وطبعا هذا يحدث خلال فترة كبيرة . ولم يعرف أن ذرات الذهب تتسلل من خلال جلد الإنسان إلى الدم إلا حديثا.), فإذا كانت هذه الهجرة لا تتم إلا إذا لامس الذهب معدن آخر, فهل جلد الإنسان معدن آخر بحيث يهاجر إليه و عبره إلي الدم, فما هذا الإستخفاف الشديد بعقول القراء.
ثاني عشر: و أعجب من كل ما سبق أن جزيئات الذهب حديثا أصبحت تستخدم في علاج الزهايمر و غيره الكثير من الأمراض, فقد توصل بعض العلماء بأن حقن جزيئات من الذهب في التكوينات البروتينية المسئولة عن بعض الأمراض العقلية مثل ألزهايمرز وباركنسونز ثم تعريضها لموجات حرارية تهاجم تلك التكوينات مما يعطي أملاً في علاج هذه الأمراض في المستقبل,
ثالث عشر: المدلس الذي فبرك هذه القصة إعتمد علي خبر طبي صحيح عن ظهور تحليل معين لتشخيص الزهايمر يعتمد علي خاصية هجرة الذهب, فقال المدلس
و كل هذه المواقع تتحدث عن تطوير تحليل بول جديد لإكتشاف الزهايمرلذا تم تصميم إختبار جديد للبول يتم فيه إضافة مادة معينة تحتوي علي الذهب فغذا هاجر الذهب من هذه المادة إلي هذا البروتين فهذا إثبات أن هذا الشخص يعاني من الزهايمر. إذا فالمدلس إعتمد علي خبر صحيح يتحدث عن هجرة الذهب, و لكن هجرة إلي بروتينات الزهايمر الموجودة في البول و ليست هجرة من ذهب الحلي و المجوهرات إلي دم الإنسان ثم إلي مخه.
ملحوظة:
ظهرت فبركات أخري تربط بين تحريم الذهب علي الرجال و بين أمراض أخري حيث يقول المفبركون (أثبتت البحوث الطبية ان الذهب يؤثر على كريات الدم الحمراء للرجال دون النساء بسبب وجود طبقة شحميه بين الجلد واللحم للنساء تمنع الإشعاعات الناتجة من معدن الذهب بينما لا تؤثر إشعاعات معدن الفضة على الرجال و النساء. كما أثبتت البحوث الطبية العديدة أن إشعاعات الذهب لها دور سلبي على الهرمونات الجنسية الذكرية ..).
و بالبحث عن أي معلومات طبية تثبت هذه الأكاذيب لم أجد, كما أن ناشر هذه الفبركات أوردها كخبر مرسل بلا أي أدلة تثبت صحة ما يقول.
ختاما أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يرزقنا البصيرة الصحيحة التي تمكننا من كشف مثل هذه الفبركات التي تساعد علي هدم قضية الإعجاز العلمي عن عمد, و هدم عقيدة المسلم الجاهل, و لا أقول هدم الإسلام أو هدم عقيدة المسلم الكيس الفطن الذي لا تمر عليه مثل هذه الفبركات بسهولة, فالذي لا يعرفه المدلس و أمثاله أن الإسلام محفوظ بالله و لن تقدر أي قوة مهما عظمت علي أن تخفي نور هذا الدين الرباني العظيم, و صدق الله إذ يقول {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }التوبة32, {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }الصف8.
0 التعليقات:
إرسال تعليق